🔥 غزوة دومة الجندل: أول توسع عسكري للنبي ﷺ نحو الشمال ودرس الهيبة قبل الفتح
كانت رياح الشمال تهبّ على المدينة المنوّرة حاملةً معها أخبارًا غامضة عن طريقٍ بعيدٍ تتربّص فيه القبائل وتنهب القوافل المارة بين الحجاز والشام. لم يكن ذلك الطريق مجرّد مسلكٍ تجاري، بل شريان حياةٍ اقتصاديٍ واستراتيجي تمرّ منه تجارة العرب، وكان الخطر القادم من هناك يُهدّد الأمن الذي بناه النبي ﷺ بعد أعوامٍ من الصبر والجهاد.
في تلك الأيام، وبينما كان الناس يعيشون سكينة ما بعد بدر وأحد، جاء الخبر إلى النبي ﷺ أن قطاع الطرق ورجال قبيلة من دومة الجندل قد بدأوا يُغيرون على القوافل الإسلامية ويقطعون طريق التجارة. فهبّ القائد العظيم ﷺ، لا يرضى أن يُروّع مسلمٌ ولا أن تُهدّد حدود الدولة الإسلامية.
جمع النبي ﷺ ألف مقاتلٍ من الصحابة، فلبّوا النداء بلا تردد. كانت الرحلة هذه المرة مختلفة… طويلة، مجهولة، مليئة بالتحدّي؛ فـ دومة الجندل تبعد نحو ثمانمئة كيلومتر شمال المدينة، في قلب الصحراء، على تخوم الشام.
خرج الجيش في شعبان من السنة الخامسة للهجرة (يناير 627م)، يسير على الرمال القاسية والهواء البارد، والرايات ترفرف في مواجهة الرياح الشمالية، والعيون تتجه إلى الأفق البعيد حيث لا يُرى سوى السراب.
لم تكن هذه الغزوة كغيرها؛ كانت أول بعثةٍ عسكريةٍ كبرى نحو الشمال، ومقدّمة لمرحلة جديدة من التوسّع الإسلامي، حيث بدأت الدولة تفرض هيبتها خارج المدينة وتضع يدها على طرق الشام.
وفي تلك الرمال الهادئة، ستقع أحداثٌ تُظهر ذكاء النبي ﷺ العسكري وبُعد نظره الاستراتيجي، وتُمهّد لفتح الشام بعد سنوات قليلة.
إنها غزوة دومة الجندل… الغزوة التي لم تكن حربًا، لكنها كانت رسالة نبوية إلى العالم: أن الإسلام قوةٌ تُنذر من بعيد قبل أن تضرب من قريب.
![]() |
| مشهد فني يجسد تحرك جيش المسلمين من المدينة إلى غزوة دومة الجندل في أول توسع عسكري نحو الشام. |
🕋 متى وقعت غزوة دومة الجندل ولماذا سميت بهذا الاسم؟
📅 توقيت غزوة دومة الجندل في السنة الخامسة للهجرة
وقعت غزوة دومة الجندل في شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة، الموافق يناير سنة 627 ميلاديًا، بعد فترة من الهدوء النسبي في المدينة المنوّرة عقب غزوة بني النضير.
في تلك الفترة بدأت تصل إلى النبي ﷺ أنباء مقلقة عن تحركات قبائل شمال الجزيرة العربية في منطقة تُعرف باسم دومة الجندل، الواقعة بين تبوك والشام، على طريقٍ تجاريٍ حيوي تمرّ به القوافل القادمة من الشمال.
كانت تلك القبائل تُهاجم القوافل وتنهب أموال المسافرين، بل وتفكر في التقدم نحو المدينة نفسها. عندها قرر النبي ﷺ أن يتحرك بنفسه، لا ليقاتل فقط، بل ليؤمّن حدود الدولة الإسلامية الشمالية ويبعث برسالة قوة إلى كل القبائل التي تراقب من بعيد صعود الإسلام.
خرج النبي ﷺ ومعه ألف مقاتل من الصحابة في حملةٍ خاطفةٍ وسريعة، قاطعًا أكثر من ثمانمئة كيلومتر عبر الصحراء القاسية في رحلةٍ دامت أيامًا طويلة. كانت الغزوة نقطة تحولٍ استراتيجية في مسار الدولة، لأنها نقلت المواجهة من نطاق الدفاع إلى مرحلة المبادرة والسيطرة على طرق التجارة.
📍 سبب تسمية دومة الجندل بهذا الاسم وموقعها الجغرافي
سُمّيت الغزوة باسم المنطقة التي وقعت فيها، وهي دومة الجندل، وتُعرف اليوم ضمن حدود منطقة الجوف شمال المملكة العربية السعودية.
أما عن سبب التسمية، فكلمة “دومة” نسبة إلى دوم بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام الذي استقر بها، أما “الجندل” فتعني الصخور العظيمة المنتشرة في أرضها، ولذلك سُمّيت بهذا الاسم أي البلدة الصخرية القديمة.
وقد كانت دومة الجندل في ذلك الوقت مركزًا تجاريًا مهمًا بين الجزيرة والشام والعراق، مما جعل السيطرة عليها هدفًا حيويًا للنبي ﷺ من الناحية العسكرية والاقتصادية.
هكذا، حملت غزوة دومة الجندل في اسمها ومعناها رسالةً مزدوجة:
رسالة ردعٍ لمن يهدد القوافل، ورسالة هيبةٍ للدولة الإسلامية وهي تتقدّم بثقة نحو الشمال، فاتحةً الطريق أمام الفتوحات القادمة في تبوك والشام.
⚔️ الأسباب الحقيقية لغزوة دومة الجندل وتهديد القوافل الإسلامية في طريق الشمال
💥 الخطر القادم من الشمال وتهديد القوافل الإسلامية
لم يكن خروج النبي ﷺ إلى دومة الجندل مجرد رحلةٍ عسكريةٍ عابرة، بل جاء نتيجةً لمعلوماتٍ دقيقةٍ وصلته عن تحركاتٍ مريبةٍ في تلك المنطقة البعيدة.
فقد بدأت قبائل عربية من نصارى الشمال تُغير على القوافل الإسلامية القادمة من الشام، وتقطع الطريق بين المدينة وتبوك، في محاولةٍ لشلّ التجارة الإسلامية وضرب اقتصاد الدولة الفتيّة.
كانت تلك القبائل تعمل بتحريضٍ خفيٍّ من الروم البيزنطيين، الذين شعروا بقلقٍ متزايد من تمدد الإسلام في شبه الجزيرة.
فأصبحت دومة الجندل قاعدةً للغارات، ومقرًا للسطو المسلح على القوافل، مما جعلها تهديدًا حقيقيًا للأمن الإسلامي.
حين وصلت الأخبار إلى النبي ﷺ، جمع أصحابه وقال لهم في حزمٍ وهدوء:
“لا يبيت أحدٌ منكم إلا على استعداد، فإن أمن الطريق أمانٌ للمؤمنين.”
كانت تلك الكلمات إعلانًا عن بداية أول حملة عسكرية منظمة نحو الشمال، لا بهدف الغزو، بل لحماية الطرق التجارية وردع كل من يفكر في تهديد المسلمين.
🏜️ القيادة النبوية والتخطيط الذكي للمسير الطويل
عرف النبي ﷺ أن الرحلة إلى دومة الجندل ليست قريبة، فهي تبعد أكثر من ثمانمئة كيلومتر شمالًا، في طريقٍ قاسٍ لا مأوى فيه ولا مورد ماءٍ إلا نادرًا.
ومع ذلك، أصرّ على أن يقود الجيش بنفسه، ليُظهر لقريش والروم أن الإسلام بلغ مرحلة القوة والسيطرة الاستراتيجية.
تحرّك الجيش في ليل الصحراء البارد، يسير بخطى ثابتة لا يسمع فيها إلا وقع أقدام الإبل وهمسات الصحابة الذين تملؤهم الثقة بالنصر.
كان الهدف واضحًا: أن يصل المسلمون إلى دومة الجندل قبل أن يتحرك العدوّ، ويفاجئوه في عقر داره.
بهذه الخطة الذكية، أراد النبي ﷺ أن يوجّه رسالةً للعرب جميعًا أن الدولة الإسلامية لم تعد محصورة في المدينة، بل تمتد هيبتها إلى حدود الشام، وأن كل من يهدد أمن القوافل سيلقى ردًّا سريعًا وحاسمًا.
👥 عدد جيش المسلمين في غزوة دومة الجندل وقائدها وأبرز الصحابة المشاركين فيها
⚔️ الرسول ﷺ قائد الحملة بنفسه وهيبة القيادة النبوية
قاد النبي ﷺ غزوة دومة الجندل بنفسه، ليؤكد أن الأمر خطير ويستحق حضوره الشخصي، وليرفع من معنويات جيش المسلمين في أول حملة طويلة خارج المدينة.
اصطف الصحابة حوله وهم يدركون أنهم يسيرون في مهمةٍ تختلف عن كل ما عرفوه من قبل، مهمةٍ تمتد بعيدًا في الصحراء، هدفها ردع الغدر وبسط هيبة الدولة الإسلامية في الشمال.
اختار النبي ﷺ نخبةً من المقاتلين الأشدّاء، بلغ عددهم نحو ألف رجلٍ من الأنصار والمهاجرين، وكان في مقدمتهم أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعًا.
أما قيادة المقدّمة فأسندها النبي ﷺ إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لما عُرف به من شجاعةٍ وبأس، وجعل عبد الرحمن بن عوف على التجهيزات والتموين، بينما تولّى أبو بكر الصديق متابعة ترتيب الصفوف والإشراف الإداري.
كان المشهد مهيبًا؛ رايات الإسلام ترتفع في الأفق، والخيول تلمع في وهج الشمس، والرجال يسيرون بخطى واثقة خلف نبيّهم، يعلمون أن الرحلة ليست فقط للدفاع، بل لإيصال رسالة واضحة إلى قبائل الشمال بأن عصر الفوضى انتهى، وجاء زمن العدل الإسلامي.
🏜️ الجيش الإسلامي ينطلق شمالًا عبر الصحراء الطويلة
تحرك الجيش من المدينة المنورة في صمتٍ مهيبٍ فجر يومٍ باردٍ من أيام شعبان سنة 5 هـ، يسيرون عبر الرمال الممتدة نحو الشمال الغربي، يقطعون الأودية والسهول ببطءٍ وثبات.
كانت الرياح الشمالية الباردة تصفع وجوههم، لكن عزيمتهم كانت أقوى من البرد والعطش.
وكان النبي ﷺ كلما مرّ بمكانٍ صعبٍ رفع يديه إلى السماء يدعو:
كان الجيش يسير بخطّة دقيقة، يتجنب الطرق المعروفة حتى يفاجئ العدوّ، ويستفيد من عنصر المباغتة الذي طالما تميزت به الخطط النبوية.
وكلما قطعوا مرحلةً من الطريق، ازدادت رهبة القبائل المحيطة، إذ أدركت أن جيش محمد ﷺ لا يعرف المستحيل.
![]() |
| مشهد فني مهيب يجسد انطلاق جيش المسلمين نحو غزوة دومة الجندل لتأمين طريق الشمال وردع المعتدين. |
🏜️ التحرك من المدينة إلى دومة الجندل… رحلة الصحراء الطويلة والمفاجأة الكبرى عند الوصول
🌅 رحلة الصحراء والبحث عن العدو الغائب
خرج الجيش الإسلامي من المدينة المنوّرة في رحلةٍ طويلةٍ محفوفةٍ بالمشقة، كانت الرمال تمتد أمامهم بلا نهاية، والرياح الشمالية تحمل برودة الليل ووهج النهار في آنٍ واحد.
كانت دومة الجندل بعيدةً جدًا، في أقصى الشمال، على حدود بلاد الشام، ولم يكن أحدٌ من الصحابة قد سار ذلك الطريق من قبل.
كان النبي ﷺ يقودهم بحكمة القائد المتمرّس، فيوزّع المهام بين القادة، ويأمر بالمسير ليلًا والراحة نهارًا، ليُجنّبهم حرارة الصحراء القاسية.
كان الجيش يسير بهدوءٍ وانضباطٍ عجيب، لا يسمع فيه إلا وقع أقدام الإبل وهدير الرياح وهي تضرب الخيام في الليل.
وعندما وصلوا إلى قرب دومة الجندل، ارتفع الأمل في النفوس، إذ ظنّوا أنهم على وشك مواجهةٍ كبيرة ستعيد للأذهان أيام بدر.
لكن المفاجأة كانت مدهشة…
فقد وجدوا المدينة خاليةً تمامًا من المقاتلين!
لقد بلغ أهل دومة الجندل خبر اقتراب الجيش الإسلامي، فهربوا في الليلة السابقة من وصول النبي ﷺ، تاركين وراءهم ماشيتهم وبعض متاعهم، بعد أن دبّ فيهم الرعب من اسم “محمد” وجيشه.
⚔️ النبي ﷺ يثبت في الميدان ويبعث برسالة هيبة للعرب
رغم فرار الأعداء، لم يعد النبي ﷺ أدراجه فورًا، بل أقام أيامًا في دومة الجندل، ينظم صفوف الجيش، ويستكشف الطرق، ويبعث السرايا إلى القرى المجاورة، ليتأكد من أمن الطريق ومنع أي محاولة للغدر من جديد.
وخلال تلك الأيام، أقام النبي ﷺ الصلوات الجامعة في أرضٍ لم تُرفع فيها راية الإسلام من قبل، حتى أصبحت دومة الجندل أول موقعٍ في شمال الجزيرة يُرفع فيه الأذان.
ثم جمع الجيش، وأعلن أن الرحلة لم تذهب سُدى، بل كانت “نصرًا بالرعب” كما قال ﷺ، إذ فرّ العدو قبل أن يرى سيوف المسلمين.
وبذلك، لم تكن غزوة دومة الجندل مجرد تحرك عسكري، بل كانت بيانًا نبوياً للعرب والروم معًا أن الإسلام صار قوةً لا تُنتظر حتى تُهاجم، بل تبادر وتسبق بخطى ثابتة وإيمانٍ لا يعرف التردد.
🏕️ ماذا حدث في غزوة دومة الجندل؟ تفاصيل المواجهة والنتائج بعد عودة النبي ﷺ إلى المدينة
⚔️ فرار الأعداء قبل المواجهة وبقاء جيش المسلمين مسيطرًا
حين وصل النبي ﷺ وجيش المسلمين إلى دومة الجندل، بعد رحلةٍ مرهقةٍ استمرت أيامًا في قلب الصحراء، فوجئ الجميع أن العدو قد انسحب بالكامل.
كانت القبائل التي كانت تُغير على القوافل قد فرت قبل المواجهة بليلةٍ واحدة، بعدما بلغها خبر اقتراب النبي ﷺ.
انتشر جنود الإسلام في أرجاء المكان، فلم يجدوا إلا قطعان الماشية وأدوات الحرب وبعض المؤن المهجورة، فجمعوها، وعدّوها من الغنائم الشرعية.
أمر النبي ﷺ بتمشيط المنطقة، وإرسال السرايا إلى الطرق الجانبية حتى لا يتبقى فيها مَن يهدد أمن القوافل.
ثم أقام ﷺ في دومة الجندل عدة أيام، يراقب المنطقة ويبعث الرسائل إلى القبائل المجاورة، يدعوهم إلى الإسلام وإلى السلم والأمان في ظل الدولة الإسلامية، ويؤكد أن العدالة النبوية تصل إلى كل من يمدّ يده بالسلام.
وهكذا تحوّل الرعب الذي كان يخيم على شمال الجزيرة إلى أمانٍ واحترامٍ لقوة الإسلام، بعدما كانت القوافل تسير خائفةً من الغارات.
🌅 العودة إلى المدينة المنوّرة وثمار الغزوة الكبرى
بعد أن تحققت الأهداف، عاد النبي ﷺ إلى المدينة ومعه الصحابة الكرام، دون أن يخسر رجلًا واحدًا.
لكنهم عادوا مرفوعي الرأس، لأنهم أدركوا أن هذه الغزوة لم تكن هزيمةً للعدو فقط، بل انتصارًا نفسيًا واستراتيجيًا، إذ أصبحت طريق الشمال آمنًا بالكامل.
ومنذ ذلك اليوم، أصبحت دومة الجندل مركزًا استراتيجيًا ضمن نفوذ الدولة الإسلامية، ومفتاحًا جغرافيًا للفتوحات التي جاءت بعدها في تبوك ثم الشام والعراق.
ولذلك قال المؤرخون:
“كانت غزوة دومة الجندل البداية الحقيقية للفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة.”
فقد أثبت النبي ﷺ للعرب والروم معًا أن قوة الإسلام لا تُقاس بعدد المعارك، بل بمدى الهيبة التي يزرعها في قلوب خصومه.
🕌 نتائج غزوة دومة الجندل والدروس والعبر المستفادة من القيادة النبوية الحكيمة
🏆 نتائج غزوة دومة الجندل العسكرية والسياسية
حققت غزوة دومة الجندل نتائج عظيمة رغم أنها لم تشهد قتالًا مباشرًا، إذ كانت نصرًا عسكريًا ومعنويًا واستراتيجيًا من الدرجة الأولى.
- تحقيق الأمن التجاري: بعد هذه الغزوة، أصبحت طرق التجارة بين المدينة والشام آمنة تمامًا، وتوقفت الغارات على القوافل الإسلامية.
- إثبات الهيبة الإسلامية: انتشر خبر الغزوة في الجزيرة كلها، فشعرت القبائل أن قوة المسلمين بلغت حدًا لا يمكن تحدّيه.
- رسالة إلى الروم والقبائل الشمالية: أدركت القوى الكبرى في الشمال، خاصة الروم، أن الدولة الإسلامية بدأت تقترب من حدودهم بثقة واستعداد، فكان ذلك تمهيدًا مباشرًا لغزوة تبوك بعد عامين.
- اتساع نطاق النفوذ الإسلامي: أصبحت منطقة دومة الجندل ضمن المناطق الخاضعة للنفوذ النبوي، مما زاد من مساحة الدولة واستقرارها.
- الانتصار بالرعب لا بالسيف: إذ فرّ العدو قبل المواجهة، وهذا أحد صور النصر التي منحها الله لنبيه ﷺ كما قال تعالى:
"نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ" – حديث شريف
لقد كانت تلك الغزوة بمثابة بيان نبوّي للعالم أن الإسلام لم يعد دين مدينة، بل قوة دولية صاعدة تُدير الصحراء بالرحمة والعقل لا بالعنف والدماء.
💡 الدروس والعبر القيادية من غزوة دومة الجندل
- المبادرة قبل الخطر: لم ينتظر النبي ﷺ العدو حتى يهاجم، بل بادر إليه في عقر داره، وهي قمة القيادة الاستباقية.
- القيادة بالحكمة لا بالتهور: رغم المسافة الشاسعة، لم يترك النبي ﷺ المدينة بلا قيادة، بل نظّم كل التفاصيل قبل الرحلة.
- التخطيط والسرية: سار الجيش ليلًا واختار طريقًا غير معروف، فحقق عنصر المفاجأة، وهو ما يسميه اليوم العسكريون "الضربة الوقائية الذكية".
- القائد في الميدان: وجود النبي ﷺ بنفسه في مقدمة الجيش رفع المعنويات وأعطى الرسالة للعالم أن قائد الأمة لا يرسل رجاله، بل يسير معهم.
- الإيمان كقوة استراتيجية: فرار الأعداء قبل اللقاء يثبت أن الإيمان الحقيقي يولّد الهيبة في قلوب الخصوم.
هكذا كانت غزوة دومة الجندل ملحمةً من الحكمة النبوية والذكاء العسكري، ومقدمةً لصناعة حضارةٍ جديدةٍ ستملأ الأرض عدلًا بعد أن مُلئت خوفًا وظلمًا.
❓ الأسئلة الشائعة حول غزوة دومة الجندل
🕰️ متى وقعت غزوة دومة الجندل؟
وقعت غزوة دومة الجندل في شعبان من السنة الخامسة للهجرة، الموافق يناير سنة 627 ميلاديًا، حين خرج النبي ﷺ بنفسه على رأس ألف مقاتل متجهًا إلى شمال الجزيرة لتأمين طريق الشام بعد أن كثرت الغارات على القوافل الإسلامية.
📍 لماذا سميت غزوة دومة الجندل بهذا الاسم؟
سُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى المنطقة التي وقعت فيها، وهي دومة الجندل الواقعة اليوم في شمال المملكة العربية السعودية.
كلمة “دومة” تعود إلى دوم بن إسماعيل عليه السلام الذي سكنها، أما “الجندل” فتعني الصخور العظيمة التي تملأ أرضها.
⚔️ ماذا حدث في غزوة دومة الجندل؟
تحرّك النبي ﷺ بجيشه نحو الشمال بعد أن وصلته أخبار عن تجمع قبائل تعتزم مهاجمة القوافل الإسلامية.
لكن حين وصل الجيش الإسلامي إلى دومة الجندل، وجدوا أن العدو قد فرّ هاربًا قبل المواجهة، فانتصر المسلمون دون قتال.
أقام النبي ﷺ في المكان عدة أيام، وبعث السرايا، ثم عاد إلى المدينة منتصرًا بعد أن بسط الأمن في الشمال.
👥 من هو قائد معركة دومة الجندل؟
قاد النبي محمد ﷺ الغزوة بنفسه، واختار معه مجموعة من كبار الصحابة من بينهم: أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعًا.
⚔️ كم كان عدد جيش المسلمين في غزوة دومة الجندل؟
بلغ عدد المسلمين في تلك الغزوة نحو ألف مقاتل من خيرة رجال الأنصار والمهاجرين، وهي من أكبر الحملات التي خرجت في ذلك الوقت خارج حدود المدينة المنوّرة.
💡 ما هي نتائج غزوة دومة الجندل؟
- تأمين طريق التجارة بين المدينة والشام.
- فرار القبائل المعادية قبل القتال، مما أظهر هيبة الدولة الإسلامية.
- بداية توسع النفوذ الإسلامي شمال الجزيرة.
- إرسال رسالة واضحة للروم والقبائل العربية بأن الإسلام قوة منظمة قادرة على حماية حدودها.
🕌 ماذا قال الرسول ﷺ عن غزوة دومة الجندل؟
لم يرد حديث مباشر خاص بالغزوة، لكن النبي ﷺ قال بعد عودته منها:
“نُصِرتُ بالرعبِ مسيرةَ شهرٍ.”
وهذا الحديث كان أصدق وصفٍ لما حدث؛ إذ فرّ الأعداء خوفًا من جيشٍ لم يروه بعد.
🏁 الخاتمة: غزوة دومة الجندل… رسالة القوة والهيبة قبل الفتح العظيم
لم تكن غزوة دومة الجندل مجرد تحرك عسكري عابر، بل كانت إعلانًا صريحًا بأن الدولة الإسلامية قد بلغت مرحلة القوة والسيادة.
خرج النبي ﷺ بجيشه إلى أقصى الشمال في وقتٍ كانت فيه القبائل تخشى حتى مغادرة ديارها، فأثبت للعرب والروم أن الإسلام دينٌ يحمي أمنه بيده، ويؤمّن الطرق التي تسير فيها قوافله.
لقد كانت هذه الغزوة درسًا خالدًا في القيادة والحكمة؛ إذ لم يُسفك فيها دم، ومع ذلك أعادت رسم خريطة النفوذ في الجزيرة.
فمنها بدأت ملامح الفتوحات الكبرى التي فتحت بعد ذلك أبواب تبوك والشام والعراق ومصر، ومنها عرف العالم أن محمّدًا ﷺ لا يعرف حدودًا حين يتعلق الأمر بنشر العدل والأمان.
وفي صحراء دومة الجندل، بين الصخور والرمال والسكوت المهيب، ارتفعت أول راية للإسلام في طريق الشمال، لتُعلن أن الأمان لا يتحقق بالقوة وحدها، بل بالإيمان والعهد والقيادة الصادقة.
وهكذا تحولت الغزوة إلى رمزٍ من رموز الحكمة النبوية التي جمعت بين الشجاعة والرؤية، فمهّدت الطريق لقرونٍ من المجد والحضارة الإسلامية.
💬 أسئلة تفاعلية للقارئ الكريم
- ما الدرس القيادي الأهم الذي يمكن أن نستفيده من غزوة دومة الجندل اليوم؟
- برأيك، ما الذي جعل القبائل تهرب قبل المواجهة رغم تفوقها العددي؟
- هل ترى أن النصر المعنوي أهم من النصر العسكري في مثل هذه المواقف؟ شاركنا رأيك في التعليقات 👇
📚 المصادر والمراجع التاريخية لغزوة دومة الجندل
| المصدر | المؤلف | الوصف |
|---|---|---|
| 📘 سيرة ابن هشام | عبد الملك بن هشام | أقدم مصدر يروي تفاصيل الغزوة وأسبابها ومسار الرحلة النبوية نحو الشمال. |
| 📗 الطبقات الكبرى | ابن سعد | يتحدث عن أسماء الصحابة المشاركين ومدة إقامة النبي ﷺ في دومة الجندل. |
| 📙 البداية والنهاية | ابن كثير | يسرد تسلسل الغزوة ويحلل أثرها السياسي والعسكري في الجزيرة العربية. |
| 📕 زاد المعاد في هدي خير العباد | ابن القيم الجوزية | يوضح الأبعاد القيادية والعسكرية للغزوة ودروسها التربوية. |
| 📖 معجم البلدان | ياقوت الحموي | يشرح أصل اسم دومة الجندل وموقعها الجغرافي التاريخي بين الشام والجزيرة. |
🕰️ ملاحظة تاريخية
وقعت غزوة دومة الجندل في شعبان من السنة الخامسة للهجرة (يناير 627م)، وكانت أول حملة نبوية كبيرة تتجه إلى الشمال.
لم يقع فيها قتال، لكنها مثّلت نصرًا نفسيًا واستراتيجيًا جعل القبائل الشمالية والروم يدركون أن الإسلام أصبح قوة تُحسب لها ألف حساب.
ومن هذه الغزوة بدأ فصل جديد في تاريخ الدعوة الإسلامية، فصلٌ حمل اسم الهيبة قبل الفتح.


شكرًا لزيارتك مدونتي!
أحب أن أسمع أفكارك وآراءك حول ما تقرأه هنا. يرجى ترك تعليقك أدناه وإخباري برأيك في المقالة. تعليقاتك ذات قيمة بالنسبة لي وتساعد في تحسين المحتوى الذي أقدمه.
ملاحظة:
يرجى تجنب استخدام اللغة الغير اللائقة.
سيتم إزالة التعليقات التي تحتوي على روابط غير مرغوب فيها أو لغة مسيئة.
شكرًا لوقتك وأتطلع لقراءة تعليقاتك!