📁 آخر الأخبار

غزوة ذات الرقاع: معركة الصبر والإيمان وصلاة الخوف وسط السيوف والرماح

غزوة ذات الرقاع: إيمانٌ يُصلي وسط الرماح والنار 

في عامٍ اشتدت فيه حرارة الرمال كما اشتدت حرارة الفتن، خرج النبي محمد ﷺ بجيشه ليواجه خطرًا جديدًا من قبائل غطفان وبني محارب وبني ثعلبة،
الذين تجمعوا في نجد يهددون المدينة المنوّرة بعد سلسلة الغزوات السابقة.

كانت غزوة ذات الرقاع مشهدًا فريدًا في السيرة النبوية، حيث اجتمع فيها الصبر، والخشوع، والإيمان، والشجاعة في قلب الصحراء،
حتى سمّيت “ذات الرقاع” لأن الصحابة لفّوا أرجلهم بقطع القماش من شدّة الجراح والحرّ والوعورة.

خرج النبي ﷺ ومعه 700 مقاتل من المهاجرين والأنصار، في وقتٍ صعبٍ لم يكن فيه قتالٌ مباشر،
بل كانت الغاية ردع القبائل المتربصة وتثبيت هيبة الدولة الإسلامية في الجزيرة العربية.

لكنّ الحدث الأعظم لم يكن في ساحة المعركة، بل في ساحة الإيمان — حين صلى النبي ﷺ بالصحابة صلاة الخوف،
فسجد نصفهم خلفه بينما بقي النصف الآخر يحرس الصفوف بالرماح والسيوف، ثم تبادلوا المواقع دون أن تنقطع الصلاة.

إنها غزوة لم تُكتب بالحبر ولا بالسيف… بل بالصبر والإيمان والدموع الخاشعة على الرمال.
ومن هناك، خلد التاريخ مشهدًا لم يعرفه العالم من قبل: جنودٌ يصلّون تحت وابل السهام، وقلوبهم معلقة بالسماء.

جيش المسلمين يسير في غزوة ذات الرقاع عبر صحراء نجد، والنبي ﷺ في المقدمة بهالة من النور تغطيه بالكامل دون ملامح ظاهرة، والسماء بلون الغروب الذهبي.
لوحة فنية واقعية تجسّد مسير النبي ﷺ والصحابة في غزوة ذات الرقاع، الغزوة التي عُرفت بالصبر والإيمان والصلاة وسط الخطر.


 📅 متى وقعت غزوة ذات الرقاع؟ ولماذا سُمّيت بهذا الاسم العجيب؟

🌄 الزمان ومكان غزوة ذات الرقاع

وقعت غزوة ذات الرقاع في السنة الرابعة أو الخامسة للهجرة — بعد غزوة الخندق وقبل غزوة خيبر على الأرجح،
حين بدأت قبائل غطفان ومحارب وثعلبة تُخطّط لهجوم على المدينة المنوّرة لاستعادة هيبة العرب بعد تزايد قوة المسلمين.
تحرّك النبي ﷺ بجيشٍ قوامه نحو سبعمائة مقاتل من المهاجرين والأنصار، وساروا في أرضٍ وعرةٍ في نجد، حيث الجبال الحمراء والرمال المحرقة والبرد القارس ليلًا.

كانت المسافة طويلة والزاد قليل، فشقّ الصحابة طريقهم بثباتٍ رغم الألم والعطش، حتى تشققت أقدامهم من شدّة السير،
فكانوا يلفّونها بقطعٍ من القماش، ولهذا سُمّيت الغزوة بـ ذات الرقاع — أي “غزوة الرقع” التي لُفّت بها الأقدام.

لم يكن هدف النبي ﷺ القتال، بل إرهاب القبائل التي تجمعّت لتهديد المدينة وإظهار أن المسلمين يقظون دائمًا،
فكانت الغزوة استعراض قوةٍ عسكريةٍ وإيمانيةٍ في آنٍ واحد.

🏕️ معسكر الإيمان وسط الرمال

حين وصل الجيش إلى وادٍ في نجد، نصب النبي ﷺ معسكره، وأمر الصحابة أن يريحوا الإبل،
ثم جلس تحت شجرةٍ يستظلّ بظلّها، وقد ربط سيفه في غصنها، بينما تولّى الصحابة الحراسة حوله.
وفي هذا المشهد الهادئ حدثت المعجزة التي لا تُنسى:
جاء رجل من المشركين يُدعى غورث بن الحارث، فرأى النبي ﷺ وحده تحت الشجرة،
فاستلّ سيفه واقترب منه قائلًا: “من يمنعك مني يا محمد؟”

فقال النبي ﷺ بثباتٍ يملأ القلب نورًا: “الله.”

فسقط السيف من يد الرجل من هيبته، فأخذه النبي ﷺ وقال:

“ومن يمنعك أنت مني؟”
فقال: “كن خير آخذٍ.”
فابتسم النبي ﷺ وأطلقه عفوًا، فعاد إلى قومه يقول:
“جئتكم من عند خير الناس.”

هكذا تحوّل الموقف من محاولة اغتيال إلى دعوةٍ بالرحمة، ليبقى درسًا خالدًا في التسامح واليقين بالله.


🐫 قصة الجمل الذي اشتراه النبي ﷺ في غزوة ذات الرقاع… وعدل النبوة الذي أبهر الصحابة

💰 النبي ﷺ يشتري جملًا في طريق غزوة ذات الرقاع

في أثناء المسير الطويل في صحراء نجد أثناء غزوة ذات الرقاع، اشتد التعب على المسلمين، وكانت الإبل قليلة والماء نادرًا.
وبينما يسير النبي ﷺ مع الصحابة، رأى جملًا قويًّا يملكه أحد الأنصار، فعرض عليه شراءه،
فقال الرجل: “هو لك يا رسول الله بلا ثمن.”
لكن النبي ﷺ رفض أن يأخذه مجانًا، وقال: “لا، ولكن أشتريه منك بثمنه.”

وهكذا اشترى الجمل بثمنٍ عادلٍ من صاحبِه، ثم تركه معه حتى يعود من الغزوة،
وأمره أن يقوده خلف الجيش ليستفيد منه في الطريق، في مشهدٍ يعلّمنا أن القيادة النبوية لا تعرف التسلط، بل العدل والرحمة.

🐪 الجمل يشهد بصدق النبي ﷺ

فلما عادوا من الغزوة إلى المدينة، جاء الرجل بالجمل وقال: “هذا جملك يا رسول الله.”
فقال النبي ﷺ: “بل هو لك، قد وهبتُه لك.”

فبكى الرجل فرحًا وقال أمام الناس: “أشهد أنك ما أردتَ دنيا ولا مالًا، وإنما وجه الله.”

ثم نزل قوله تعالى بعدها بوقتٍ قصيرٍ يصف هذه الأخلاق النبوية:

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾

لقد كانت هذه القصة الصغيرة في ظاهرها درسًا خالدًا في الصدق والأمانة والعدل في المعاملة،
تُكمل المشهد الإيماني العظيم لغزوةٍ لم تُعرف بكثرة القتال، بل بعظمة الأخلاق.


🕌 صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع… حين صلّى المؤمنون والسهام فوق رؤوسهم

⚔️ الإيمان في قلب الخطر

في إحدى ليالي الغزوة، وبينما كانت قبائل بني محارب وثعلبة تراقب المسلمين من بعيد تنتظر فرصة للهجوم،
نادى النبي ﷺ أصحابه إلى الصلاة، فوقفوا صفّين في مواجهة الصحراء الواسعة،
وفي أيديهم السيوف والرماح، والعيون تراقب الأفق بين كل ركعة وسجدة.

لم يكن من الممكن أن يترك الجيش الصلاة، كما لم يكن من الممكن أن يترك الحراسة،
فأقام النبي ﷺ ما عُرف في التاريخ بـ صلاة الخوف — صلاةٌ تؤدى في وقت الحرب،
يصلي فيها نصف الجيش مع النبي ﷺ، بينما يحرس النصف الآخر، ثم يتبادلون المواقع ليكمل الجميع الصلاة دون أن تنقطع الحراسة لحظة واحدة.

كان المشهد مهيبًا…
الليل ساكن، والريح تهب على رمال نجد، وأصوات التكبير تختلط بصفير الرياح،
والرماح تُغرس في الأرض بجوار الصفوف، لتشهد أن الصلاة لا تسقط حتى تحت السيوف.

🌙 صورة من الخشوع لا يعرفها إلا من ذاق طعم الإيمان

أُقيمت الصلاة على ضوء القمر، والنبي ﷺ واقفٌ أمامهم في هدوءٍ عجيب،
كأنّ السكينة نزلت من السماء تحيط بالمكان.
لم يكن أحد ينظر خلفه أو يخاف على نفسه، فقد أدركوا أن من وقف خلف النبي في الصلاة، فلن يخاف شيئًا في الحرب.

ثم قال النبي ﷺ بعد انتهاء الصلاة: “لقد أكرمكم الله بصلاةٍ لم يُكرم بها أمة من قبلكم.”

وهكذا خلدت غزوة ذات الرقاع اسمها في التاريخ لا بالدماء ولا بالقتال، بل بالخشوع وسط الرماح، والإيمان وسط الخطر، واليقين وسط الصحراء.

صلاة الخوف فى هذا الفيديو 👇🏻


🌟 نتائج غزوة ذات الرقاع والدروس النبوية في الصبر والإيمان

🕊️ نتائج غزوة ذات الرقاع

  1. إخماد خطر القبائل المتحالفة: بعد تحرك النبي ﷺ بجيشه نحو نجد، شعرت قبائل غطفان وثعلبة ومحارب بالخوف، فتفرّقت جموعها قبل المواجهة.وهكذا حقق المسلمون هدفهم من دون قتالٍ مباشر، وأثبتوا أن هيبتهم باتت كافية لردع الأعداء.
  2. ترسيخ مفهوم الجاهزية الدائمة: أكّدت الغزوة أن الإسلام لا ينام عن الخطر، وأن الرسول ﷺ كان يقود أمته بالوعي قبل السيف، وبالاستباق قبل الاضطرار.
  3. إرساء نظام صلاة الخوف: وهي من أعظم الأحكام التي نزلت في تلك المرحلة،لتعلّم الأمة أن العبادة لا تتوقف حتى في قلب الحرب، وأن الإيمان فوق كل ظرفٍ أو سلاح.
  4. نشر هيبة المسلمين في الجزيرة: عندما بلغ خبر الغزوة القبائل،علم الجميع أن المدينة المنوّرة لا تُغزى مرتين، وأن جيش النبي ﷺ حاضرٌ في كل اتجاه.

💫 الدروس القيادية والإيمانية من غزوة ذات الرقاع

♣ الصبر في الميدان هو نصر قبل القتال.
لم يكن في الغزوة معركة دموية، بل انتصار معنوي يُظهر أن الثبات في وجه الصحراء والعدو معًا هو قتالٌ بحد ذاته.
♥ القيادة بالرحمة قبل القوة.
من مشهد النبي ﷺ وهو يشتري الجمل بعدلٍ، إلى عفوه عن الرجل الذي أراد قتله، تتجلى إنسانية القيادة النبوية.
♣ أن العبادة في الخطر هي ذروة الإيمان.
صلاة الخوف لم تكن مجرد طقس، بل بيان عملي أن الإيمان لا يتزعزع حتى والسيوف تلمع فوق الرؤوس.
♥ أن النصر ليس دائمًا في القتال، بل في اتقاء القتال بحكمة.
فغزوة ذات الرقاع أثبتت أن ردع العدو دون دماء أعظم من مئات المعارك التي تُراق فيها الأرواح.

الأسئلة الشائعة حول غزوة ذات الرقاع

📅 متى وقعت غزوة ذات الرقاع وأين كانت؟

وقعت غزوة ذات الرقاع في السنة الرابعة أو الخامسة للهجرة، بعد غزوة الخندق وقبل غزوة خيبر،
في منطقة نجد بالجزيرة العربية، وهي أرضٌ وعرة بين الجبال والرمال القاحلة،
خرج إليها النبي ﷺ بجيشه لتأديب قبائل غطفان ومحارب وثعلبة التي كانت تُخطط لمهاجمة المدينة المنوّرة.

⚔️ ما سبب غزوة ذات الرقاع؟

كان السبب هو تجمّع القبائل المعادية للإسلام في نجد، فخرج النبي ﷺ بجيشٍ استباقيٍّ لتفريقهم قبل أن يهاجموا المدينة.
لم يكن الهدف القتال، بل إظهار قوة المسلمين وهيبتهم، وقد تحقّق ذلك بالفعل دون مواجهة مباشرة.

🕋 لماذا سُمّيت غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم؟

سُمّيت الغزوة بـ ذات الرقاع لأن الصحابة رضي الله عنهم لفّوا أرجلهم بقطعٍ من القماش (رقاع) من شدّة الجراح والحرّ والتعب في الصحراء،
فأصبحت تلك الرقاع رمزًا على صبرهم وثباتهم في سبيل الله.

🕌 ما قصة صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع؟

في أثناء الغزوة، أقام النبي ﷺ صلاة الخوف لأول مرة في الإسلام،
حيث صلّى نصف الجيش خلفه بينما يحرس النصف الآخر، ثم تبادلوا المواقع في منتصف الصلاة.
كانت هذه الصلاة دليلًا على أن العبادة لا تتوقف حتى في قلب المعركة، وأن الإيمان أقوى من الخوف والسيوف.

⚖️ ما هي نتائج غزوة ذات الرقاع؟

  • تفرّق جموع المشركين دون قتال.
  • ترسيخ نظام صلاة الخوف في الإسلام.
  • إثبات هيبة المسلمين في الجزيرة.
  • تأكيد أن النصر بالإيمان والتخطيط لا بالسيف فقط.

🕊️ ما الدروس والعبر من غزوة ذات الرقاع؟

  • الصبر والثقة بالله في أصعب الظروف.
  • أن القائد الحقّ يحكم بالعدل والرحمة.
  • أن الصلاة والعبادة لا تتوقف أبدًا.
  • أن الحلم والعفو من صفات القوة لا الضعف.

🏁 الخاتمة: ذات الرقاع… غزوة الإيمان فوق الجراح

في رمالٍ لا تنبت فيها إلا الصبر، وتحت شمسٍ تُذيب الحديد،
كُتبت غزوة ذات الرقاع كصفحةٍ خالدةٍ من تاريخ الإسلام،
لم يُرفع فيها سيفٌ على العدو، بل رُفعت فيها القلوب إلى السماء.

هناك، في قلب الصحراء، أظهر النبي ﷺ لأصحابه أن القيادة ليست في الحرب فقط، بل في الحلم، والصبر، والإيمان عند الاختبار.
لقد رأى الناس قائدًا يشتري جملاً بعدلٍ، ويعفو عن قاتلٍ محتمل، ويصلي في الخطر،
ليعلّمهم أن النصر الحقيقي هو نصر الروح على الخوف، ونصر الإيمان على الغريزة.

غزوة ذات الرقاع لم تكن معركةً بين السيوف، بل بين اليقين والشك،
وانتصر فيها اليقين… كما ينتصر النور دائمًا على الظلام.
ومن تحت تلك الشجرة التي جلس تحتها النبي ﷺ، ووسط الرمال التي لُفّت فيها أقدام الصحابة بالرقاع،
انطلقت رسالة: أن من صبر لله، فالله لا يخذله أبدًا.

💬 أسئلة تفاعلية للقارئ الكريم

  1. برأيك، هل يمكن أن يكون الصبر والثبات أعظم من القتال في سبيل الله؟
  2. أيّ موقف في غزوة ذات الرقاع ترى أنه الأكثر تأثيرًا في النفس ولماذا؟
  3. ما الدرس القيادي الذي يمكن أن يتعلمه قادة اليوم من موقف النبي ﷺ تحت الشجرة؟

📣 شارك هذا المقال الآن
وساعد الآخرين على اكتشاف قصة غزوة ذات الرقاع،
الغزوة التي علّمت العالم أن الإيمان لا يُهزم،
وأن من صلّى وهو يحمل السيف… لا يخاف إلا الله. 🌙⚔️


📚 المصادر والمراجع التاريخية لغزوة ذات الرقاع

المصدرالمؤلفالوصف
📘 سيرة ابن هشامعبد الملك بن هشاممن أقدم وأوثق المراجع التي روت أحداث غزوة ذات الرقاع بتسلسلها الزمني، وذكرت تفاصيل صلاة الخوف وقصة الرجل الذي حاول قتل النبي ﷺ.
📗 صحيح البخاري – كتاب المغازيالإمام البخاريأورد الروايات الصحيحة حول صلاة الخوف، وبيّن كيف صلى النبي ﷺ بالصحابة وسط الخطر.
📙 الطبقات الكبرىابن سعدوصف تحركات الجيش وأسماء القبائل المشاركة ومكان الغزوة في نجد، وعدد المسلمين المقدر بـ700.
📕 البداية والنهايةابن كثير الدمشقيفسّر الحكمة من الغزوة، وذكر اختلاف المؤرخين حول سنة وقوعها، وبيّن نتائجها السياسية والإيمانية.
📖 زاد المعاد في هدي خير العبادابن القيم الجوزيةقدّم تحليلاً قياديًا وأخلاقيًا لمواقف النبي ﷺ في الغزوة، خاصة العفو عن الرجل الذي أراد قتله وعدله في شراء الجمل.

🕰️ ملاحظة تاريخية

وقعت غزوة ذات الرقاع في العام الرابع أو الخامس للهجرة (حوالي 625–626م) في منطقة نجد،
وكانت من أشد الغزوات تعبًا وأقساها على الصحابة من حيث المسافة والجفاف،
لكنها كانت من أعظم الغزوات أثرًا في تربية الأمة على الصبر والإيمان.

ومن رحم التعب خرجت الدروس التي صاغت أمة لا تُهزم بالإرهاق،
بل تقوى به، فكان مشهد صلاة الخوف علامة فارقة في تاريخ العبادة،
ودرسًا خالدًا للأجيال أن الإيمان لا يسقط مهما اشتد الخطر.



عصور ذهبية
عصور ذهبية
تعليقات