📁 آخر الأخبار

انتصارات المماليك العسكرية: التي رسّخت شرعية حكم الدولة المملوكيه الناشئة

 كيف استطاع حكمٌ وُلد من داخل المعسكرات، بلا نسبٍ ملكي ولا شرعية وراثية، أن يفرض نفسه على دولةٍ بحجم مصر والشام؟

وكيف تحوّل المماليك، الذين كانوا في الأصل جنودًا عبيدًا، إلى سادة حكمٍ معترف بهم في الداخل والخارج؟

وهل كانت شرعية الدولة المملوكية قائمة على القوة وحدها، أم أن الانتصارات العسكرية لعبت دورًا أعمق في إقناع الناس، والعلماء، والنخب، بأن هذا الحكم هو الأقدر على البقاء وحماية البلاد؟

لم تكن الدولة المملوكية في بدايتها تملك ترف الوقت ولا استقرار الحكم. فقد واجهت منذ لحظاتها الأولى أخطر تهديدين عرفهما العالم الإسلامي في العصور الوسطى: الزحف المغولي الذي اجتاح المشرق، وبقايا الحملات الصليبية المتحصّنة على سواحل الشام. في هذا السياق المضطرب، لم يكن النسب ولا الادّعاء السياسي كافيًا، بل كان السيف المنتصر هو مصدر الشرعية الحقيقي.

من هنا، لم تعد المعركة مجرد مواجهة عسكرية، بل تحوّلت إلى اختبار وجود. كل نصر كان خطوة نحو تثبيت الحكم، وكل هزيمة محتملة كانت تعني التشكيك في أهلية الدولة نفسها. ومع أول انتصار حاسم، تغيّر موقع المماليك من قوة صاعدة محلّ جدل، إلى سلطة تُنظر إليها بوصفها حامية الأرض والدين داخل الدولة المملوكية.

🔍 في هذا المقال نكشف:

  1. كيف أسهمت الانتصارات العسكرية في تثبيت الحكم المملوكي؟
  2. ولماذا كانت المعارك الكبرى أساسًا للقبول الشعبي والسياسي؟
  3. وكيف تحوّل الجيش من أداة قتال إلى مصدر شرعية للدولة الناشئة؟

في هذا السرد التحليلي، نتتبّع مسار السيف المملوكي من ساحات القتال إلى عرش الحكم، لنفهم كيف صنعت الانتصارات العسكرية دولةً كاملة، لا مجرد تاريخٍ من المعارك.

محارب مملوكي يقود قواته في معركة حاسمة تجسّد قوة الجيش المملوكي ودوره في تثبيت حكم الدولة المملوكية
مشهد فني تاريخي يصوّر قائدًا مملوكيًا في قلب المعركة، يرمز إلى الانتصارات العسكرية التي منحت الدولة المملوكية شرعية الحكم والقبول الشعبي.

⚔️ السيف بوصفه شرعية: لماذا احتاجت الدولة المملوكية إلى الانتصار السريع؟

منذ لحظة ظهورها، وجدت الدولة المملوكية نفسها في وضعٍ سياسي هشّ. فالحكم لم ينتقل إليها عبر وراثة مستقرة، ولا عبر بيعة تقليدية طويلة الجذور، بل خرج من قلب الصراع بعد سقوط الدولة الأيوبية. وفي مثل هذا السياق، لم يكن الاعتراف بالحكم أمرًا مضمونًا، لا من الداخل ولا من الخارج.

لهذا، لم يكن النصر العسكري ترفًا أو خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة وجودية. فالدولة الناشئة كانت مطالَبة بإثبات أهليتها سريعًا:
أهليتها لحماية الأرض، وأهليتها لقيادة الجند، وأهليتها لأن تكون الحاجز الأخير أمام أخطر تهديدات العصر.

في الدول العسكرية، لا تُكتَب الشرعية بالحبر… بل بالدم في ساحات القتال.

داخليًا، كان المجتمع المصري والشامي ينظر بحذر إلى سلطة جديدة يقودها مماليك بلا نسب حاكم. هذا الحذر لم يكن عداءً صريحًا، لكنه كان انتظارًا للبرهان. هل هؤلاء الحكّام قادرون على الدفاع؟ هل يستطيعون حفظ الأمن؟ هل يملكون القوة التي تمنع الفوضى؟

خارجيًا، كان المشهد أكثر قسوة. فالمغول يزحفون من الشرق بلا رحمة، والصليبيون لا يزالون يسيطرون على مدن ساحلية استراتيجية. وأي ضعف أو تردد كان كفيلًا بتحويل الدولة المملوكية إلى كيان عابر في كتب التاريخ.

في هذا المناخ، تحوّل الجيش من أداة حكم إلى حَكَمٍ على الحكم نفسه. فكل انتصار يرسّخ القبول، وكل إخفاق يفتح باب التشكيك. لم يكن المماليك بحاجة إلى خطب سياسية طويلة، لأن المعركة المنتصرة كانت أبلغ من أي خطاب.

وهكذا، دخلت الدولة المملوكية اختبارها الحقيقي مبكرًا:
إما أن تنتصر فتُثبّت حكمها،
أو تتعثر فتُعاد كتابة مصيرها من جديد.

ومن هنا، بدأت سلسلة الانتصارات التي لم تغيّر خرائط المعارك فقط، بل أعادت رسم شرعية الحكم في واحدة من أخطر مراحل تاريخ المنطقة.

لا يمكن فهم دلالة هذه الانتصارات بمعزل عن السياق العام لنشأة الدولة المملوكية وبناء قوتها العسكرية والسياسية.
وللاطلاع على الصورة الكاملة لصعود الدولة وتحوّل العبيد إلى حكّام، يمكن الرجوع إلى مقالنا الرئيسي:

🔗(الدولة المملوكية: حين حكم العبيد مصر وأصبحوا ملوك الشرق)


🩸 عين جالوت: المعركة التي منحت المماليك شهادة الميلاد السياسية

لم تكن عين جالوت مجرد مواجهة عسكرية فاصلة، بل لحظة اختبار حاسمة لوجود دولةٍ لم يكتمل اعتراف العالم بها بعد. فقبل هذه المعركة، كان المماليك سلطةً صاعدة تحكم بقوة الأمر الواقع، لا بشرعيةٍ مستقرة. وبعدها، صاروا حكّامًا معترفًا بهم، لأنهم فعلوا ما عجز عنه غيرهم: إيقاف السيل المغولي.

في منتصف القرن السابع الهجري، بدا المغول قوةً لا تُقهَر. مدن كبرى سقطت، وجيوش تهاوت، وسلاطين فرّوا قبل أن تُرفع الرايات. وفي هذا المناخ المشحون بالخوف، كانت الدولة المملوكية مطالَبة بإجابة سؤال واحد لا غير:
هل تستطيع حماية العالم الإسلامي أم ستنهار كما انهار غيرها؟

قاد السلطان سيف الدين قطز الجيش بنفسه، ومعه قائد ميداني صاعد سيصنع التاريخ لاحقًا، هو الظاهر بيبرس. لم تكن الخطة مواجهةً مباشرة مع قوة اشتهرت بالاندفاع الساحق، بل استدراجًا ذكيًا إلى ساحة قتال اختيرت بعناية، تُحيِّد تفوق المغول العددي وتكسر زخمهم النفسي.

في عين جالوت، لم ينتصر السيف وحده… بل انتصر العقل الذي حمله.

عندما انقلب ميزان المعركة، لم يكن الأثر عسكريًا فحسب. فالهزيمة التي مُني بها المغول كسرت أسطورة “الجيش الذي لا يُهزم”، ومنحت المماليك ما كانوا يفتقدونه: الشرعية بالسلاح. منذ تلك اللحظة، تغيّرت نظرة الناس والعلماء والأمراء إلى الحكم الجديد؛ لم يعد حكمًا طارئًا، بل درعًا واقيًا.

سياسيًا، مثّلت عين جالوت إعلانًا غير مكتوب بأن قيادة العالم الإسلامي انتقلت إلى القاهرة. ودينيًا، رآها الناس نصرًا حفظ ديار الإسلام من كارثة محققة. وشعبيًا، التفّت الجماهير حول الدولة التي أثبتت أنها قادرة على القتال والانتصار حين عجز غيرها.

هكذا، لم تكن عين جالوت مجرد صفحة في سجل الحروب، بل شهادة ميلاد سياسية لدولةٍ ستبني شرعيتها لاحقًا على سلسلة من الانتصارات. فمن هنا، بدأ المماليك يُحكمون لا لأنهم استولوا على السلطة، بل لأنهم حموها.


🏰 حروب المماليك ضد الصليبيين: كيف تحوّل الدفاع إلى مصدر قبول شعبي؟

بعد عين جالوت، لم يعد الخطر المغولي وحده ما يواجه الدولة المملوكية. على السواحل الشامية، ظلّ الوجود الصليبي جرحًا مفتوحًا في الوعي الجمعي؛ مدن محصّنة، وأساطيل قادمة من الغرب، وذكريات طويلة من الاحتلال والنهب. هنا، لم تكن المعركة المقبلة اختبار قوة فحسب، بل امتحان ثقة بين الحكم الجديد والناس.

في هذه المرحلة، تغيّر معنى القتال. لم يعد الدفاع فعلَ ضرورة عسكرية فقط، بل رسالة سياسية واجتماعية. فكل حملة ناجحة ضد الصليبيون كانت تُقرأ شعبيًا باعتبارها استعادةً للكرامة قبل الأرض. ومع كل قلعة تُفتح، كانت صورة المماليك تتحول من سلطة مفروضة إلى حماةٍ فعليين.

حين تُحرَّر مدينة، لا يعود النصر ملكًا للجيش وحده… بل للناس الذين انتظروا طويلًا.

بلغ هذا التحول ذروته بسقوط عكّا، آخر المعاقل الصليبية الكبرى على الساحل. لم يكن الحدث عسكريًا محضًا؛ كان إعلان نهاية مرحلة كاملة من الخوف، وبداية علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع. في المدن والقرى، انتقلت مشاعر القلق إلى قبولٍ واسع، لأن الحكم أثبت أنه قادر على الفعل لا الوعد.

الأهم أن هذه الحروب أعادت ترتيب ميزان الشرعية. فبدل أن يطالب الناس المماليك بإثبات نسبٍ أو حقٍ تاريخي، باتوا يقيسون الحكم بقدرته على الحماية المستمرة. الدفاع الناجح صنع رأسمالًا معنويًا ضخمًا: التفاف العلماء، رضا التجار، وطمأنينة العامة. وهكذا، صار الأمن اليومي لغة الشرعية الأبلغ.

بهذا المعنى، تحوّل القتال ضد الصليبيين من معارك حدودية إلى عقدٍ غير مكتوب بين الدولة والناس: نحمي الأرض، فتمنحوننا القبول. عقدٌ ثبّت الحكم، ومهّد لمرحلة استقرارٍ أطول، وجعل الانتصار العسكري جزءًا من الحياة السياسية لا فصلًا عنها.


🧠 الشرعية الشعبية في الدولة المملوكية: بين القوة والقبول

لم تتشكّل الشرعية الشعبية في العصر المملوكي عبر خطبٍ سياسية أو سلاسل نسب، بل عبر تجربة يومية عاشها الناس في الأسواق والطرق والحدود. فحين يشعر المجتمع أن الدولة قادرة على الحماية وضبط الفوضى، يبدأ ميزان القبول في الميل—even لو كان الحكم صارمًا في أدواته.

في البداية، نظر كثيرون إلى الحكم المملوكي بعين الترقّب. سلطة جديدة، قادمة من المعسكر، بلا جذور وراثية واضحة. لكن هذا الترقّب لم يلبث أن تحوّل إلى قبولٍ متدرّج حين لمس الناس أثر القوة على حياتهم اليومية: أمنٌ على الطرق، استقرارٌ في المدن، وحدودٌ لا تُترك نهبًا للغزاة. هنا، انتقلت الشرعية من كونها سؤالًا نظريًا إلى خبرة ملموسة.

حين يصبح الأمان واقعًا يوميًا، يتراجع السؤال: من يحكم؟
ويتقدّم السؤال: هل يحمينا؟

لعبت الانتصارات العسكرية دورًا حاسمًا في هذا التحوّل، لكنها لم تكن وحدها. فالدولة التي تنتصر ثم تعجز عن ضبط الداخل تفقد سريعًا رأسمالها المعنوي. لذلك، اكتمل القبول الشعبي حين اقترنت القوة العسكرية بقدرة إدارية على فرض النظام وتخفيف كلفة الاضطراب على الناس. بهذا التوازن، تحوّلت القوة من مصدر خوف إلى ضمانٍ للاستقرار.

ومع مرور الوقت، نشأ عقدٌ ضمني بين المجتمع والسلطة داخل الدولة المملوكية:
الدولة تحمي وتضبط، والناس تقبل وتستقر. لم يكن عقدًا مكتوبًا، لكنه كان فعّالًا بما يكفي ليمنح الحكم سندًا شعبيًا، حتى في فترات الشدّة.

بهذا المعنى، لم تُلغِ القسوة قبول الناس، ولم تُلغِ القوة الرضا العام؛ بل صاغت التجربة المملوكية معادلة دقيقة: قوة تُنتِج أمانًا، وأمانٌ يُنتِج قبولًا. ومن هذا التلاقي بين السيف والطمأنينة، وُلدت شرعية شعبية لم تعتمد على الماضي، بل على القدرة المستمرة على حماية الحاضر.

موكب عسكري مملوكي يدخل مدينة إسلامية وسط ترحيب السكان بعد انتصار عسكري يعكس القبول الشعبي للحكم المملوكي
مشهد فني يجسّد دخول القادة والجنود المماليك إلى المدينة بعد النصر، في لحظة تعبّر عن تحوّل القوة العسكرية إلى قبول شعبي وشرعية حكم.

⚖️ ما بعد النصر: كيف حوّلت الدولة المملوكية الانتصارات إلى شرعية دائمة؟

الانتصار، مهما كان حاسمًا، يظل لحظة عابرة إن لم يُترجَم إلى نظامٍ يحمي أثره. أدرك المماليك هذه الحقيقة مبكرًا، فعملوا على تحويل النصر العسكري إلى مكاسب سياسية واجتماعية مستمرة، لا إلى نشوة مؤقتة سرعان ما تتبدّد.

أول خطوات هذا التحويل كانت ترسيخ صورة الدولة الحامية. لم يُقدَّم النصر بوصفه مجدًا للجيش وحده، بل كدرعٍ للمجتمع كله. الخطاب العام—في المساجد، والأسواق، وبين العلماء—ربط بين الاستقرار اليومي وبين قدرة الحكم على القتال والانتصار. هكذا، أصبح الأمن نتيجة مباشرة للنصر، لا وعدًا مؤجلًا.

ثم جاء الدور الإداري. فالدولة التي انتصرت على الحدود شدّدت قبضتها في الداخل: ضبط الطرق، حماية القوافل، وتثبيت السلطة في المدن الحساسة. هذه الإجراءات لم تكن تفاصيل ثانوية؛ بل كانت الاختبار الحقيقي لصدقية الحكم. فالناس تقبل القوة حين تراها تقلّل كلفة الخوف وتعيد انتظام الحياة.

النصر الذي لا يُدار… يُستنزَف.
والنصر الذي يُدار جيدًا… يتحوّل إلى شرعية.

على المستوى السياسي، استُثمرت الانتصارات لبناء توازنات جديدة. قادة الجيش صعدوا وفق الكفاءة، والعلماء وجدوا في الحكم القادر على الحماية سندًا للاستقرار، والتجار لمسوا أثر الأمن على الحركة والرزق. بهذا، اتسع نطاق القبول من العامة إلى النخب، وتحوّل النصر إلى رأسمال معنوي يُعاد إنفاقه كلما واجهت الدولة أزمة.

في المحصلة، لم تجعل الدولة المملوكية من السيف بديلًا عن السياسة، بل مدخلًا إليها. فحين يُترجَم النصر إلى أمن، والأمن إلى انتظام، والانتظام إلى قبول، يصبح الحكم مستندًا إلى قاعدة أوسع من مجرد الغلبة. وهكذا، انتقلت الشرعية من لحظة معركة إلى حالة حكم قادرة على الاستمرار.


🔄 هل يمكن أن تقوم دولة بلا نسب على السيف وحده؟

تجربة الدولة المملوكية تطرح سؤالًا يتجاوز التاريخ إلى جوهر السياسة نفسها:
هل تكفي القوة العسكرية لبناء شرعية حكم مستقرّة؟
الإجابة التي قدّمها الواقع المملوكي كانت أكثر تعقيدًا من “نعم” أو “لا”.

فالسيف وحده لا يصنع دولة، لكنه قد يفتح الطريق لها. أما الاستمرار، فيتطلب تحويل القوة إلى نظام، والنصر إلى أمان، والرهبة إلى قبول. المماليك لم يحكموا لأنهم انتصروا مرة، بل لأنهم حافظوا على معنى النصر في حياة الناس اليومية. وهنا، لم تعد الشرعية مسألة نسب أو حق تاريخي، بل قدرة متجددة على حماية الحاضر من الفوضى.

بهذا المعنى، لم يكن السيف بديلًا عن السياسة، بل كان أداتها الأولى. وحين نجح الحكم في تجاوز لحظة الغلبة إلى إدارة الاستقرار، تحوّلت القوة من خطر محتمل إلى أساسٍ لشرعية قبلها المجتمع، حتى وإن لم يحبّ قسوتها.


❓ الأسئلة الشائعة حول انتصارات المماليك العسكرية وشرعية حكمهم

لماذا احتاجت الدولة المملوكية إلى الانتصارات العسكرية منذ بدايتها؟

لأن الحكم المملوكي لم يقم على وراثة مستقرة أو نسبٍ ملكي معترف به. لذلك، كانت الانتصارات العسكرية الوسيلة الأسرع لإثبات الأهلية السياسية، وإقناع الداخل والخارج بأن السلطة الجديدة قادرة على حماية البلاد وضبط الفوضى.


هل كانت معركة عين جالوت مجرد انتصار عسكري؟

لا، كانت نقطة تحوّل سياسية كبرى. فقد منحت المماليك شرعية لم يحصلوا عليها بالبيعة أو النسب، بل بالفعل العسكري الحاسم. بعد عين جالوت، تغيّرت نظرة الناس والعلماء إلى الحكم المملوكي بوصفه درعًا واقيًا لا سلطة طارئة.


كيف أسهمت الحروب ضد الصليبيين في القبول الشعبي؟

لأنها نقلت الدولة من مرحلة الدفاع النظري إلى الحماية الملموسة. تحرير المدن الساحلية وإنهاء الوجود الصليبي جعلا الناس يربطون بين الحكم المملوكي والأمن اليومي، وهو أساس القبول الشعبي في المجتمعات التقليدية.


هل كانت القوة وحدها كافية لبناء شرعية دائمة؟

القوة كانت المدخل، لكنها لم تكن كافية وحدها. الشرعية استقرّت عندما اقترنت الانتصارات بضبط الداخل، وتأمين الطرق، واستقرار الحياة الاقتصادية. حين لمس الناس أثر القوة في حياتهم اليومية، تحوّل الخوف إلى قبول.


لماذا قَبِل المجتمع حكمًا عسكريًا صارمًا مثل حكم المماليك؟

لأن البديل كان الفوضى أو الغزو الخارجي. في وعي الناس، الحكم القوي الذي يوفّر الأمان يُغفَر له شدّته أكثر من حكم ضعيف يترك البلاد مكشوفة. هكذا تشكّل عقد غير مكتوب بين المجتمع والدولة.


هل اعتمدت شرعية المماليك على الدين أم على السيف؟

اعتمدت أساسًا على السيف، لكن السيف المُنتصر الذي حمى ديار الإسلام أكسب الحكم بعدًا دينيًا تلقائيًا. لم يفرض المماليك شرعيتهم باسم الدين، لكن انتصاراتهم جعلت العلماء والناس ينظرون إليهم كحماةٍ له.


ما الذي يميّز الشرعية المملوكية عن غيرها في التاريخ الإسلامي؟

أنها شرعية أداء لا شرعية نسب. لم يُسأل المماليك: من أنتم؟
بل: ماذا تفعلون؟
وحين جاءت الإجابة في ميادين القتال وعلى طرق التجارة وحدود الدولة، ترسّخ حكمهم بوصفه واقعًا مقبولًا.

📌 مقالات ذات صلة عن الدولة المملوكية

  1. أصول المماليك: كيف تحوّل عبيد الأسواق إلى حكّام مصر والشام؟
  2. صعود المماليك في الجيش الأيوبي: كيف صنعوا نفوذهم قبل الحكم؟
  3. كيف واجهت الدولة المملوكية خطر الصليبيين والمغول في بداياتها؟
  4. الانضباط الحديدي في الجيش المملوكي: سر التفوق والاستمرار.
  5. سلاح الفروسية في الجيش المملوكي: لماذا لُقّبوا بفرسان الشرق؟
  6. نظام التجنيد في الجيش المملوكي: كيف تحوّل العبيد إلى قادة جيوش؟

🏁 الخاتمة: حين يصنع النصر شرعية الحكم

لم تُبنَ شرعية الدولة المملوكية على نسبٍ قديم ولا على ادّعاءٍ سياسي طويل، بل صُنعت في ميادين القتال ثم ثُبّتت في حياة الناس اليومية. فمن عين جالوت التي أوقفت الزحف المغولي، إلى الحروب الطويلة ضد الصليبيين على السواحل، تحوّل النصر العسكري من حدثٍ عابر إلى لغة حكم مفهومة لدى المجتمع.

لكن عبقرية التجربة المملوكية لم تكن في السيف وحده، بل في إدارة أثر السيف. فحين تُترجَم الانتصارات إلى أمنٍ على الطرق، واستقرارٍ في المدن، وحمايةٍ للحدود، يتحوّل الخوف إلى قبول، والرهبة إلى رضا صامت. هكذا نشأت شرعية شعبية لم تطلب من الناس حبّ الحكم، بل اكتفت بأن يشعروا بأنه يحميهم.

في النهاية، تُظهر تجربة الدولة المملوكية أن الشرعية ليست فكرة مجردة، بل علاقة عملية بين القوة والمسؤولية. قوةٌ تنتصر، ثم تلتزم بحماية ما انتصرت من أجله. وحين يتحقق هذا التوازن، يصبح الحكم إن كان عسكريًا—واقعًا مقبولًا، لا لأنه بلا عيوب، بل لأنه الأقل كلفة في عالمٍ مضطرب.

🤔 أسئلة للقارئ:

  • هل ترى أن القوة العسكرية يمكن أن تكون أساسًا عادلًا للشرعية السياسية؟
  • إلى أي حدّ يُمكن للمجتمع أن يتسامح مع القسوة مقابل الأمان؟
  • هل ما زالت معادلة «الأمن مقابل القبول» صالحة في عالمنا اليوم؟

💬 شاركنا رأيك في التعليقات، ولا تتردد في مناقشة الفكرة أو إضافة زاوية تاريخية أخرى.
وإن وجدت المقال مفيدًا، شاركه مع من يهتم بتاريخ الدول والشرعية في العصور الوسطى.


📚 جدول المصادر التاريخية انتصارات المماليك العسكرية

مالمصدرالمؤلفطبيعة الاستفادة
1السلوك لمعرفة دول الملوكتقي الدين المقريزيمصدر أساسي لفهم نشأة الحكم المملوكي ودور الجيش والانتصارات في تثبيت السلطة
2النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرةابن تغري برديتوثيق تفصيلي للمعارك الكبرى، خاصة عين جالوت والحروب ضد الصليبيين
3بدائع الزهور في وقائع الدهورابن إياستصوير اجتماعي وسياسي لتفاعل الناس مع الحكم المملوكي بعد الانتصارات العسكرية
4تاريخ الدولة المملوكية في مصر والشامسعيد عبد الفتاح عاشوردراسة تحليلية حديثة لشرعية الحكم المملوكي وبنائه العسكري
5المماليك في مصر والشامديفيد أيالونمرجع أكاديمي مهم يشرح العلاقة بين القوة العسكرية والشرعية السياسية
6الحياة العسكرية في عصر المماليكجمال الدين الشيالتحليل بنية الجيش المملوكي وأثره في الاستقرار الداخلي
7The MamluksDavid Nicolleمنظور غربي متخصص في المعارك المملوكية وتأثيرها الاستراتيجي
8Cambridge History of Egypt – Vol. 1مجموعة مؤلفينسياق عام للحكم المملوكي ومكانته الإقليمية بعد الانتصارات العسكرية

📝 ملاحظة تاريخية

تعتمد هذه المقالة على مصادر مملوكية معاصرة للأحداث، إلى جانب دراسات حديثة، مع مراعاة اختلاف زوايا التحليل بين المؤرخين في تفسير مفهوم الشرعية وعلاقته بالقوة العسكرية.

✍️ عصور ذهبية



عصور ذهبية
عصور ذهبية
تعليقات