الملك الظاهر ططر: السلطان المملوكي الذي صعد بسرعة وسقط سريعًا وتأثيره على سياسة المماليك

كيف يمكن لسلطان مملوكي، تولى الحكم في فترة مليئة بالتحديات وبقي في السلطة فترة قصيرة، أن يشكل علامة فارقة في تاريخ الدولة؟ وما هو التأثير الذي يمكن أن تتركه فترة حكم قصيرة على تاريخ المماليك؟ كيف يمكن لملك مثل الملك الظاهر أبو الفتح ططر، الذي تولى السلطة في بداية القرن الخامس عشر الميلادي، أن يصعد بسرعة إلى العرش ثم يواجه نهاية سريعة ويترك أثرًا على السياسة المملوكية؟ في هذا المقال، نغوص في تفاصيل حياة الملك الظاهر ططر، بداية من نشأته إلى صعوده إلى الحكم، مرورًا بفترة حكمه القصيرة، وانتهاءً بنهايته المفاجئة، مع تحليل تأثيره على السياسة المملوكية.


السلطان المملوكى الظاهر ططر
الملك الظاهر ططر


 نشأة الملك الظاهر ططر وأصل تسميته

الولادة والنشأة في بلاط المماليك:

وُلد الملك الظاهر ططر في عام 1366م (767هـ) في فترة كان فيها المماليك يعيشون استقرارًا نسبيًا بعد فترة من الاضطرابات. ططر كان من عبيد الجراكسة، مجموعة من النخبة العسكرية التي كانت تلعب دورًا محوريًا في الدولة المملوكية. نشأ ططر في بلاط المماليك حيث تلقى تعليماً عسكرياً مكثفاً وأظهر مهارات قيادية متميزة منذ صغره. هذه الخلفية العسكرية والاقتصادية لعبت دورًا كبيرًا في تمهيد الطريق أمامه للوصول إلى السلطة.

•. سبب تسميته "ططر" :

وفقًا للتقاليد الجركسية، يتم تسمية المولود بناءً على أول شخص يطرق الباب بعد ولادته. عندما ولد ططر، كان أول من طرق الباب رجل تتري، مما أدى إلى تسميته بهذا الاسم. يعكس هذا التقليد ارتباط المجتمع الجركسي بتقاليده الثقافية وأهمية الأسماء في تشكيل الهوية الفردية والجماعية.

الألقاب التي حصل عليها الظاهر ططر :

تدرج ططر في الألقاب خلال مسيرته العسكرية والإدارية. كان يُلقب بـ "الظاهر" بعد توليه الحكم، وهو لقب يُشير إلى القوة والنفوذ. كما حصل على لقب "أبو الفتح"، الذي يعكس دوره في تحقيق الانتصارات العسكرية وتعزيز سلطته. الألقاب التي نالها تعكس تقدير المحيطين به لمهاراته وقدراته القيادية.


 صعود الظاهر ططر إلى السلطة

1. الخدمة العسكرية في عهد السلطان المؤيد شيخ :

بدأ ططر مسيرته العسكرية في خدمة السلطان المؤيد شيخ، حيث برع في المعارك وأظهر براعة عسكرية عالية. كانت خدمته في الجيش المملوكي مليئة بالتحديات والفرص التي ساعدته على تعزيز مكانته في الدولة. نجاحاته العسكرية أكسبته احتراماً كبيراً من قبل القادة العسكريين والبلاط المملوكي.

2. الزواج من سعادات والسيطرة على السلطة :

بعد وفاة السلطان المؤيد شيخ، تولى ططر وصاية السلطان الطفل شهاب الدين أبو السعادات، الذي كان في سن صغيرة وغير قادر على إدارة شؤون الدولة. تزوج ططر من والدة الطفل، سعادات، ليتحكم في البلاط من خلال هذه العلاقة. ومع ذلك، قرر خلع الطفل وتولى الحكم بنفسه في (1421م _ 825هـ)، ليصبح السلطان الفعلي لمصر والشام. هذا القرار أظهر الطموح الكبير لططر واستراتيجيته في تعزيز سلطته.

3. تولي الحكم كسلطان :

أصبح ططر أول سلطان مملوكي يتولى الحكم في الشام، وهو ما شكل سابقة تاريخية. عمل على تثبيت سلطته وتوسيع نفوذه في المنطقة. كانت فترة حكمه قصيرة لكنها مليئة بالتحديات، حيث حاول ططر توجيه سياسة الدولة وتحقيق الاستقرار الداخلي والخارجي. رغم قصر فترة حكمه، إلا أنه كان يسعى جاهداً لتحقيق النجاح والاستقرار لدولته.


 فترة حكم السلطان الظاهر ططر وأهم إنجازاته


الإصلاحات العسكرية والإدارية :

خلال فترة حكمه القصيرة، قام ططر ببعض الإصلاحات العسكرية والإدارية. سعى لتحسين فعالية الجيش وزيادة كفاءته لمواجهة التهديدات المتزايدة من القوى المحيطة. أجرى تغييرات في القيادة العسكرية وقدم موارد إضافية لتحديث الجيش. كما عمل على تحسين النظام الإداري لتيسير إدارة الدولة بفعالية أكبر. هذه الإصلاحات كانت محاولة لتحسين الوضع العسكري والإداري للدولة، رغم التحديات الكبيرة التي واجهها.

علاقاته الدبلوماسية مع القوى المجاورة :

 أدرك ططر أهمية العلاقات الدبلوماسية مع القوى المجاورة للحفاظ على مصالح الدولة المملوكية. قام بتوطيد العلاقات مع الدول المجاورة في محاولة لضمان استقرار المملكة وحمايتها من التهديدات الخارجية، خاصة من العثمانيين والمغول. استخدم ططر الدبلوماسية كأداة للحفاظ على الأمن وضمان المصالح الاستراتيجية لمصر والشام. كانت دبلوماسيته تهدف إلى تعزيز الأمن الداخلي والخارجي للدولة.

التحديات الاقتصادية والمالية:

 كانت فترة حكم ططر مصحوبة بزيادة كبيرة في النفقات الحكومية. فقد كان معروفًا بميله إلى الترف والإسراف، مما أثر سلبًا على الوضع المالي للدولة. هذا الارتفاع في النفقات خلق عبئًا إضافيًا على خزينة الدولة وأدى إلى مشاكل اقتصادية لاحقًا. زيادة النفقات كانت تتضمن التكاليف المتعلقة بالمشروعات الكبرى وتوسيع الجيش، مما أرهق الاقتصاد المملوكي وأثر على استقرار الدولة المملوكية بعد وفاته.


 نهاية حكم الظاهر ططر ووفاته

1. مؤامرة محتملة ونهاية مفاجئة :

 توفي الملك الظاهر ططر ( 826هـ _ 1422م)،  بشكل مفاجئ عن عمر يناهز 55 عامًا. وتدور الشكوك حول وفاة ططر، حيث تشير بعض الروايات إلى أنه قد يكون ضحية لمؤامرة. يقال إن زوجته السابقة سعادات قد تكون وراء تسميمه انتقامًا منه بعد أن خلع ابنها وطلقها. دفن ططر في القاهرة، وترك خلفه تحديات كبيرة لمن جاء بعده. تفاصيل وفاته تظل غامضة وتثير التساؤلات حول دور المؤامرات في نهاية حكمه.

2. خليفته على العرش:

بعد وفاة ططر، تولى ابنه محمد الحكم بلقب الملك الصالح ناصر الدين محمد أبو السعادات، وهو في سن 11 عامًا. بسبب صغر سنه، تم وضعه تحت وصاية الأمير سيف الدين برسباي، الذي أصبح السلطان الجديد بعد وفاة محمد في عام 1422م (825هـ). برسباي استمر في حكم مصر وترك بصمته في تاريخ المماليك. تولي برسباي الحكم مثل مرحلة جديدة في تاريخ الدولة المملوكية وأثرت على تطورات السياسة في المنطقة.


وفى الختام

تظل فترة حكم الملك الظاهر أبو الفتح ططر فترة مثيرة للاهتمام في تاريخ المماليك، رغم قصرها. من خلال دراسة حياة ططر، نكتسب نظرة عميقة على التحديات التي واجهتها الدولة المملوكية وكيفية تعامل السلطان مع الأزمات السياسية والمالية. يعكس صعود ططر وسقوطه السريع قدرة الدولة على التكيف مع التغيرات السريعة والتحديات الكبيرة، ويبرز أهمية القيادة الحكيمة في الحفاظ على استقرار الدولة. عبر استعراض تفاصيل حكم ططر، نفهم بشكل أفضل كيف يمكن للتاريخ أن يتشكل من خلال الأفراد والقرارات التي يتخذونها في أوقات الأزمات.

من خلال تحليل حياته وحكمه، يمكننا استكشاف كيف أثرت قراراته على مسار تاريخ المماليك، وكيف أن فترة حكمه القصيرة تركت تأثيرًا عميقًا على السياسة الداخلية والخارجية للدولة. قصة الملك الظاهر ططر هي تذكير قوي بقدرة الأفراد على تشكيل الأحداث التاريخية بشكل غير متوقع، حتى في أقصر الفترات الزمنية.



عصور ذهبية
عصور ذهبية
تعليقات